hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - جوزيف حبيب - نداء الوطن

"الإنحدار العظيم" ومحاولة "الإنبعاث" من الجحيم!

الجمعة ٢٩ آذار ٢٠٢٤ - 07:50

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مُحزن للغاية المشهد السوداوي في هايتي الغارقة في الفقر والبؤس والفوضى، والانهيار القيمي والأخلاقي والخدماتي، والمعضلات التربوية والصحية والغذائية. لسخرية القدر، تُعتبر هايتي أوّل جمهورية سوداء حصلت على استقلالها عام 1804، بعد تمرّد للعبيد بقيادة «النابوليون الأسود» توسان لوفرتور، فيما أضحت البلاد مرتعاً للعصابات التي تستبيح ما يحلو لها، واتّحدت تسع منها تحت اسم «عائلة جي 9» بزعامة ضابط الشرطة السابق جيمي شيريزيه المُلقّب «باربكيو»، ما يُجسّد «الانحدار العظيم» الذي أوصل هايتي إلى الحضيض.

لهايتي محنة طويلة مع العصابات وانتهاكاتها، إلّا أنّ نفوذ الأخيرة بدأ يتراكم بشكل ملحوظ بعد اغتيال الرئيس جوفينيل موييس داخل منزله في 7 تموز 2021 على يد مقاتلين مرتزقة في غَمرة الأزمة الدستورية والسياسية العميقة آنذاك، والممتدّة حتّى يومنا هذا. انطلقت مسيرة «الانبعاث» من قعر الجحيم ببطء شديد، مع استقالة رئيس الوزراء أرييل هنري في 11 من الحالي تحت وطأة هجمات ميدانية متزامنة على ما تبقى من مراكز رسمية، وضغوط دولية بقيادة واشنطن والمجموعة الكاريبيّة (كاريكوم).

وحّدت العصابات جهودها مستغلّةً وجود هنري في نيروبي بداية هذا الشهر لتوقيع اتفاق مع كينيا تنشر بموجبه قوّة شرطة على رأس بعثة دولية لفرض هيبة القانون في هايتي، وشنّت سلسلة من الهجمات المنسّقة والواسعة على مواقع استراتيجية مثل المرافق الحيوية ومراكز الشرطة والسجون، حيث حُرّر آلاف المجرمين، الأمر الذي زاد قوّة الآثمين، لدفع هنري إلى الاستقالة، وهو أساساً مطلب شعبي.

استُبعد هنري من المشهد السياسي مُرغماً، فيما كان يُفترض أن يُغادر منصبه في أوائل شباط، وبَقي عالقاً في بورتوريكو، إذ لم يتمكّن من العودة إلى هايتي بعد زيارته كينيا. وتهدف أميركا وكندا و»كاريكوم» بذلك إلى تمهيد الطريق أمام مجلس رئاسي لم يُبصر النور رسميّاً حتّى كتابة هذه السطور، على الرغم من تعيين أعضائه، وهم سبعة لهم حق التصويت وعضوَان مراقبَان.

تعهّد المجلس الذي تتمثل فيه القوى السياسية الرئيسية، فضلاً عن القطاع الخاص والمجتمع المدني والكنيسة، بتنفيذ خطّة عمل واضحة غايتها إرساء النظام الدستوري وتعيين رئيس للوزراء لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتالياً وضع حدّ لتآكل سيادة القانون ومنع السقوط الكلّي لمؤسّسات الدولة التافهة. بعيداً من صدقية نوايا أعضاء المجلس، يكمن السؤال في مدى قدرة الأخير على ترجمة قراراته في الواقع، بينما أجهزة إنفاذ القانون مُنهكة وبالكاد تُسيطر على بعض أجزاء العاصمة بور أو برنس.

هايتي في أمسّ الحاجة إلى «قوّة دولية» لفرض الأمن على الأرض، بيد أنّ كينيا أو غيرها من الدول لن تتشجّع على إرسال أي عنصر إلى الدولة الكاريبية من دون استكمال تشكيل السلطات التنفيذية فيها، ووضع استراتيجية شاملة ومتكاملة برعاية أممية ودولية لكيفية استعادة السيطرة الأمنية على كلّ أنحاء البلاد ضمن مقاربة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، إضافةً إلى اشتراطها عدم وجود أي «عائق قضائي» لاستقدام مثل هذه القوات الأجنبية إلى الأراضي الهايتية.

الوضع الميداني في هايتي مُرعب واستحال مشهداً مصغّراً عن سيناريوات «نهاية الأزمنة»، عندما يسود منطق «شريعة الغاب» ويُقاتل كلّ إنسان من أجل بقائه ولو على حساب الآخرين. فالعصابات تُحكم سيطرتها على معظم مساحات البلاد، إضافةً إلى القسم الأكبر من العاصمة، حيث الكلمة الفصل للقتلة والسفاحين والمُغتصبين والسارقين وتجّار المخدّرات ومروّجيها والخاطفين.

جرائم القتل والاغتصاب والخطف مقابل فدية وتجنيد الأطفال وتصفية الهاربين منهم، صارت من يوميّات الهايتيين، ما دفع أحياء ومناطق إلى تشكيل «فرق الدفاع الذاتي» لمواجهة بطش العصابات، فتحوّلت شوارع بور أو برنس وغيرها إلى ساحات حرب دموية، خصوصاً مع احتدام الاشتباكات وتفجّر الأحقاد بعمليات الثأر والثأر المضاد التي تترتّب عليها إعدامات علنية وحشية تنتهي بقطع الرؤوس والأطراف، وحرق الجثث!

أمام هايتي درب جلجلة طويل لتتمكّن من التعافي مجدّداً، بمساعدة المجتمع الدولي ودعمه، هذا إن وضعت الأمور على السكّة الصحيحة، وإلّا سنشهد مزيداً من سفك الدماء وصولاً إلى «مذبحة أهلية» تحرق معها أخضر البلاد، إن وجد، ويابسها.

  • شارك الخبر