50 ملفاً تمسّ صحة المواطن لا تزال عالقة أمام القضاء، إما لإصدار الأحكام أو لاستكمال التحقيقات. هذا الرقم هو حصيلة 23 عاماً قضاها رئيس الهيئة الوطنية الصحية - الاجتماعية، الدكتور إسماعيل سكرية، يستقصي حال الناس الصحية ويُحيلها أسئلة مشروعة أمام القضاء و«من يهمّه الأمر». لم يكن الطبيب الذي بدأ استقصاءه بسؤال نيابي عام 1996 يتوقع أن يصل حتى هذه اللحظات من دون أن يكون حاملاً جواباً على تلك الملفات «المحتجزة» في القضاء ولدى أجهزة الرقابة. وجلّها أسئلة ملحّة، وجاءت بعد موت (حق التاكسوتير لمرضى السرطان التي لم تكن أكثر من عبوات مياه)، ولكنها في ميزان العدالة بقيت مجرّد إخبارات عادية.
هذا «الاستخفاف» بالتعاطي القضائي مع ملفات الفساد الصحي ليس استثنائياً، إذ لم تكن صحة المواطن يوماً أولوية في بلدٍ «يُصرف فيه 7,5% من الناتج الوطني على الرعاية الصحية مقارنة بـ90% في الأنظمة الاشتراكية»، كما قال سكرية، في مؤتمره الصحافي، أمس.
تحت عنوان «الصحة حقّ… لا تجارة»، استعرض سكرية مشواره مع الفساد الطبي و«شهود الزور» في البلد، من وزارات إلى مؤسسات تشريعية وغيرها. بدأ «جردته» من الفاتورة الصحية التي وصلت الى حدود 4,32 مليارات دولار عام 2018، فيما «تتراجع قوة الإنتاج». في مقابل المراتب المتقدمة في دفع الفواتير، يحتل لبنان «المرتبة 86 عالمياً من حيث تطبيق المعادلة التي تنادي بتقديم الرعاية الصحية الجيدة في الوقت المناسب وبالكلفة المعقولة».
لكل هذه الأسباب، وفي ظل استحالة الحديث عن سياسة صحية وطنية، يحاول سكرية ومن معه في الهيئة «المساعدة» من خلال تقديم «خطة عمل تحاكي شعار مواجهة التحديات».
ومن الطبيعي أن تكون بداية تلك الخطة وزارة الصحة، وذلك عبر «تحريرها من الشباك السياسية الطائفية وإعادتها إلى دورها الرعائي وإنقاذها من دونية لعبة المال، كما البدء بالإصلاح الإداري لتصحيح ما تراكم من فساد».
من الصحة إلى ملف الدواء الذي يختصر، أولاً وآخراً، بتفعيل «المختبر المركزي للوقاية وإعادة تسجيل كل الأدوية الموجودة في السوق بعد فحصها». بعد هذه الورشة، تأتي ورشة أخرى تتعلق بموضوع التسعير الذي لا يقل أهمية عن البندين السابقين، من خلال «اعتماد شهادة سعر المنشأ، والمقارنة بالسعر الأدنى للدول العربية المجاورة وتشجيع وتنمية الصناعة الوطنية وتغليب أدوية الجينيريك في الاستيراد».
من تلك «القطاعات» تنتقل الخطة إلى قطاع الاستشفاء الذي هو أساس ارتفاع قيمة الفاتورة الصحية. هنا، يدعو سكرية إلى تفعيل المستشفيات الحكومية وإعادتها الى الوزارة كما كانت سابقاً، إضافة إلى تشديد الرقابة على الفواتير و«خاصة في المستشفيات الخاصة»، ووضع ضوابط لاستيراد واستقدام الأجهزة التكنولوجية الطبية.
وللمؤسسات الضامنة حصة من الخطة، فهي مسؤولة أيضاً عن الفساد الذي يستشري في القطاع الصحي. المطلوب في هذا الشقّ بالذات توحيدها «بقيادة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عبر مرحلتين: في الأولى يجري تنسيق وتوحيد الأعمال الطبية والتعرفة والكلفة وفي الثانية يجري توحيد تام وصولاً إلى الاستشفاء الموحّد». وهنا، في هذه النقطة بالذات، سعى سكرية لحماية مطلبه من الأصوات التي قد تخرج للسؤال عن التمويل، فأشار إلى أن «تمويلها يُرصد من نسبة من الأرباح الهائلة التي تجنيها شركات الأدوية على مدى عشر سنوات».
خطة من 5 نقاط هي كل ما يقوم عليها القطاع الصحي، وهي نفسها التي كانت السبب الأول في فساد القطاع الصحي. فهل تأخذ الحكومة الجديدة بالخطة وتصلح ما فسد مع الدهر؟